اخر الأخبار

الصين من اللاشيء تصنع اقتصادا ...

الجزائر و الصين

 

الصين من اللاشيء تصنع اقتصادا ...

وكيف حوّلت الجزائر ثروة النفط إلى أزمة 

جدّي معاذ  

  تطوير القدرة على التكيّف الإقتصادي المؤسساتي للدولة مُناط بمدى سرعة دراستها واستيعابها لمتتطلبات السوق و مقدرتها على التلاءم مع الظروف و المتغيّرات فحين تكون الدولة مؤسساتية قائمة على نهج التسيير الإداري المتكامل تصبح سريعة الإستجابة لمطالب السوق و سد ثغرات العجر المتوقعة لأنّها تقوم ببناء منظومة اقتصادية متحرّرة تخضع فقط للقوانين الداخلية وتتحكّم فيها الكفاءات ولا يد للخارج فيها على النحو الذي يتجلّى عندنا ، مثلا النظام الإقتصادي الصيني نظام مرن متكامل وكأنّه رجل أعمال تكون فيه القرارات سريعة و كأنّ شخصا وحيدا أو مجلسا واحدا من يتّخذها لهذا يتميّز بقدرته الهائلة على #الإستثمار #في #الأزمة ، فيروس كورونا ظهر من يوهان المتبادر للذهن انّ المتضرّر الأكبر من الناحية الإقتصادية هي الصين تليها الدول الأوروبية بحكم رقعة انتشار الفيروس ولكن لم يكن ذاك فعليا لأنّ الإحصائيات تقول أنّ خلال شهري جانفي و فيفري من سنة 2020 سجّلت الصين حوالي 8950 معملا جديدا لصناعة الأقنعة الواقية وفي النصف الأوّل من نفس السنة بلغ عدد الشركات المستثمرة في صناعة الكمامات 74 ألف شركة  هذا الرقم الذي لو قورن بما لدينا في الجزائر لوجدناه يفوق عدد المصانع و المعامل منذ الإستقلال حيث بلغت قيمة مداخيل الأقنعة الواقية فقط ما يعادل 53 مليار دولار وهو مبلغ يفوق المتوقع لاحتياط الصرف الجزائري لسنة 2021 بحوالي 6 مليار دولار .

    هذا النوع من الإقتصادات هو نتيجة جهود مجموعة متكاملة من المؤسسات التي تهدف إلى تطوير قدرة الأداء الإقتصادي إجمالا ولا تبحث عن استنزاف إمكاناتها في صراعات داخلية خاصة و أنّها تبحث من خلال السنوات العشر القادمة إلى امتطاء الريادة العالمية ودحر الإقتصاد الأمريكي إلى المرتبة الثانية  ، أمّا و للأسف ما يحدث في الجزائر هو عبارة عن تحطيم ممنهج للإقتصاد و استنزاف عالي الدّقة للموارد الطبيعية التي تحوزها دون استثمارها في مشاريع و محطّات تنموية تشكّل بتظافر الجهود اقتصاد قد يكون بديلا عن اقتصاد النفط للحد من هاجس النضوب وتأمين الأجيال القادمة  .

في حين وصلت مداخيل الصين من الكمامات فقط نحو 53 مليار دولار واصلت الجزائر سلسلة السقوط الحر حيث تراجعت عائدات النفط ( و إن كانت أزمة عالمية ) إلى حوالي 15 مليار دولار مع نهاية سبتمبر 2020 أي بخسارة تقدّر بحوالي 11 مليار دولار عن نفس المرحلة من السنة الماضية وهذا هو الفرق بين الإستثمار في الأزمة  وصناعة الأزمة من الثروة  فالمؤسسات الصينية فهمت أنّ لعبة المبادرة و الجدوى مع سرعة التكيّف عوامل ستشكل ملامح مرحلة اقتصاد جديد مع توقف حركة السلع من و إلى خارج الصين بسبب تفشي الوباء و هو ما عمدت إليه فعلا فكان لها ثماره ، إقتصاد لانمطي قابل للتغيّر وفق إملاءات الظروف سيوفر دوما حلولا إضافية لإنعاش الخزينة ، قد يسأل أحدهم إن المقارنة بين الصين ومدى تطورها و الجزائر على ماهي عليه من ضعف أمر غير منطقي لأنّ قدرة كليهما لا يُمكن مقارنتها !! ولكن لو أعاد قراءة المقال لوجد أنّ وجه المقارنة قائم على عنصر القدرة على التكيّف و ليس على مقدار التطوّر خاصة أنّ المجال هو صناعة الكمامات و هذا العنصر – أي التكيّف – مناطه العنصر البشري ومدى رغبته في بعث الرّبح من الخسارة وأيضا في مقدار ليونة السلطة في فرض القيود وفتح المجال التجاري أكثر فلو أخذنا مثلا عدد المعامل المسجلة في الصين في جانفي و فيفري من سنة 2020 و المقدرة بـ 8950 معمل لصناعة الكمامة فهذا العدد في الجزائر يحتاج إلى ثلاثة قرون لإنشائه وشهرين فقط سيستهلكها المواطن متنقلا لاستخراج الموافقة والحصول على الوعاء العقاري بين الدوائر الإدارية و بعدها يدخل في مرحلة العبث الورقي وهي أكبر معوّقات النجاعة الإقتصادية في الجزائر و هي العامل الأكبر لتأسيس ما يُسمّى " البيروقراطية المتنمّرة في الإدارة الجزائرية " أي عقّد الإجراءات لتستفيد الإدارة لا الدّولة وهذا بسبب مباشر أو غير مباشر من الإدارة المركزية نتيجة عدم إحلال القانون لمحلّه وجدّيتها في فرضه مع تهاون المسؤول به نتيجة ذلك وما أسس لكل هذا هو " تولية غير الكفء " ما مهّد لتشكّل نواة " الإداري الفاسد "

    كيف صنعت الجزائر من ثروة النفط و الغاز أزمة لاقتصادها ؟ 

تعتبر الثروات الباطنية أو غيرها  في أي بلد وحسب اي قاعدة اقتصادية هي شريان الإقتصاد و محرّك النمو الذي تحلم بامتلاكها أي دولة وهو ما تسعى له خاصة الدول الغربية من خلال السيطرة على الثروات لتكتمل معادلة عقل + ثروة  يعني اقتصاد جبّار المعادلة التي و إن فهمها من في الجزائر إلا أنّ الإرادة تبقى مصادرة ، الجزائر و منذ استقلالها استحوذت على ثروات كان لها أن تجعل منها رائدة في كل المجالات ثروات باطنية تسيّدها النفط و الغاز ناهيك عن مناجم الحديد و الذهب و الفوسفات و شريط ساحلي بطول 1200 كم يوفر ثروة سمكية تحلم بها أوروبا و صحراء تتربّع على أكثر من 2 مليون كم مربّع مساحة كانت لتوفّر ثلث أو ربع غذاء إفريقيا ولكن ؟ اعتماد الجزائر على 98% من مداخيلها على صادرات المحروقات دون تطوير الإقتصاد و تنويعه شكّل لها أزمة لأنّها مواد يتحكم فيها قانون الطلب العالمي ولا تملك الجزائر قدرة إدارتها بحريّة يعني أنّ عدم خلق ثروة خارج مجال المحروقات جعل موارد الدولة بيد السوق العالمية و مساومات الغرب ، هنا تُصنع من الثروة أزمة فبدل أن تكون المحروقات سبيلا لتطوير الإقتصاد وتنويع مداخيل الخزينة الخارجية و تقليل الإعتماد عليها في ضبط الموازنة العامة للدولة تحوّلت هذه الثروة إلى أزمة بسبب سوء التسيير والإعتماد على العامل البشري خارج دائرة الكفاءة .... هكذا صنعت الجزائر من ثروة النفط أزمة تخنق اقتصادها .


    


ليست هناك تعليقات